الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى
.(بَابُ الصُّلْحِ): (الصُّلْحُ): لُغَةً (التَّوْفِيقُ وَالسَّلْمُ)- بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا-؛ أَيْ: قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ، (وَهُوَ)؛ أَيْ: الصُّلْحُ (مِنْ أَكْبَرِ الْعُقُودِ فَائِدَةً)؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الِائْتِلَافِ، بَعْدَ الِاخْتِلَافِ وَقَطْعِ النِّزَاعِ وَالشِّقَاقِ، (وَلِذَلِكَ حَسُنَ)؛ أَيْ: أُبِيحَ (فِيهِ الْكَذِبُ) كَمَا يَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ مُوَضَّحًا. وَهُوَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}. وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ. وَهُوَ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا (يَكُونُ بَيْنَ مُسْلِمِينَ وَأَهْلِ حَرْبٍ) لِعَقْدِ الذِّمَّةِ أَوْ الْهُدْنَةِ أَوْ الْأَمَانِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْجِهَادِ.(وَ) الثَّانِي (بَيْنَ أَهْلِ عَدْلٍ وَ) أَهْلِ (بَغْيٍ) وَيَأْتِي فِي قِتَالِ أَهْل الْبَغْيِ.(وَ) الثَّالِثُ (بَيْنَ زَوْجَيْنِ خِيفَ شِقَاقٌ بَيْنَهُمَا أَوْ خَافَتْ) الزَّوْجَةُ (إعْرَاضَهُ)؛ أَيْ: الزَّوْجِ عَنْهَا. وَيَأْتِي فِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ.(وَ) الرَّابِعُ (بَيْنَ مُتَخَاصِمَيْنِ فِي غَيْرِ مَالٍ) وَالْخَامِسُ بَيْنَ مُتَخَاصِمَيْنِ فِيهِ. وَ(هُوَ)؛ أَيْ: الصُّلْحُ (فِيهِ)؛ أَيْ: الْمَالِ شَرْعًا (مُعَاقَدَةٌ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى مُوَافَقَةٍ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْنِ) فِيهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، (وَلَا يَقَعُ) هَذَا الصُّلْحُ (غَالِبًا إلَّا بِأَقَلَّ مِنْ الْمُدَّعَى بِهِ عَلَى سَبِيلِ الْمُدَارَةِ) مِمَّنْ لَهُ الْحَقُّ؛ (لِبُلُوغِ) بَعْضِ (الْغَرَضِ وَهُوَ) أَيْ: الصُّلْحُ عَلَى مَالٍ (قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا) صُلْحٌ (عَلَى إقْرَارٍ وَهُوَ)؛ أَيْ: الصُّلْحُ عَلَى إقْرَارٍ (نَوْعَانِ: نَوْعٌ) يَقَعُ (عَلَى جِنْسِ الْحَقِّ، مِثْلُ أَنْ يُقِرَّ) جَائِزُ التَّصَرُّفِ (أَوْ)؛ أَيْ: لِمَنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ (بِدَيْنٍ) مَعْلُومٍ، (أَوْ) يُقِرُّ لَهُ (بِعَيْنٍ) بِيَدِهِ، (فَيَضَعُ) الْمُقَرُّ لَهُ عَنْ الْمُقِرِّ بَعْضَ الدَّيْنِ كَنِصْفِهِ أَوْ ثُلُثِهِ أَوْ رُبُعِهِ، (أَوْ يَهَبُ) لَهُ (الْبَعْضَ) مِنْ الْعَيْنِ الْمُقَرِّ بِهَا، (وَيَأْخُذُ) الْمُقَرُّ لَهُ (الْبَاقِيَ) مِنْ الدَّيْنِ أَوْ الْعَيْنِ؛ (فَيَصِحُّ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّ جَائِزَ التَّصَرُّفِ لَا يُمْنَعُ مِنْ إسْقَاطِ بَعْضِ حَقِّهِ أَوْ هِبَتِهِ، كَمَا لَا يُمْنَعُ مِنْ اسْتِيفَائِهِ، «وَقَدْ كُلِّمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ غُرَمَاءُ جَابِرٍ لِيَضَعُوا عَنْهُ»، وَقَضِيَّةُ كَعْبٍ مَعَ أَبِي حَدْرَدٍ شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ.وَ(لَا) يَصِحُّ (بِلَفْظِ الصُّلْحِ)؛ لِأَنَّهُ هَضْمٌ لِلْحَقِّ (أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَهُ الْبَاقِيَ) وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّرْطَ كَعَلَيَّ أَنْ تُعَوِّضَنِي كَذَا مِنْهُ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَصِحَّ؛ لِمَا يَأْتِي فِي الْهِبَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا وَلَا تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ بِشَرْطٍ وَلِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْمُعَاوَضَةَ، فَكَأَنَّهُ عَاوَضَ بِبَعْضِ حَقِّهِ عَنْ بَعْضٍ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَلْحُوظٌ فِي لَفْظِ الصُّلْحِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ لَفْظٍ يَتَعَدَّى بِهِ كَالْبَاءِ وَعَلَى، وَهُوَ يَقْتَضِي الْمُعَاوَضَةَ، وَحَيْثُ لَمْ يَصِحَّ بِلَفْظِ الصُّلْحِ وَالشَّرْطِ؛ فَلِرَبِّ الْحَقِّ الْمُطَالَبَةُ بِجَمِيعِهِ بَعْدَ وُقُوعِ الصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّهِ، (أَوْ يَمْنَعُهُ)؛ أَيْ: يَمْنَعُ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ رَبَّهُ (حَقَّهُ بِدُونِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْهُ)، فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ فَإِنْ أَعْطَاهُ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ أَوْ الْهِبَةِ؛ صَحَّ. (وَلَا) يَصِحُّ الصُّلْحُ بِأَنْوَاعِهِ (مِمَّنْ لَا يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ؛ كَمُكَاتَبٍ وَ) قِنٍّ (مَأْذُونٍ) لَهُ فِي التِّجَارَةِ (وَوَلِيٍّ) نَحْوُ صَغِيرٍ وَسَفِيهٍ (وَنَاظِرِ) وَقْفٍ وَوَكِيلٍ فِي اسْتِيفَاءِ حَقٍّ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ، وَهُمْ لَا يَمْلِكُونَهُ (إلَّا إنْ أَنْكَرَ الْخَصْمُ)- وَهُوَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ- (وَلَا بَيِّنَةَ) لِمُدَّعِيهِ؛ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْبَعْضِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِيفَاءِ الْكُلِّ أَوْلَى مِنْ التَّرْكِ (وَيَصِحُّ) مِنْ وَلِيِّ الصُّلْحِ وَيَجُوزُ (عَمَّا اُدُّعِيَ)- بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ- بِهِ (عَلَيْهِمْ)؛ أَيْ؛ عَلَى مُوَلِّيهِ مِنْ صَغِيرٍ وَسَفِيهٍ وَقِنٍّ تَحْتَ نِظَارَتِهِ، (وَبِهِ بَيِّنَةٌ)، فَيَدْفَعُ الْبَعْضَ وَيَقَعُ الْإِبْرَاءُ أَوْ الْهِبَةُ فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِهِ بَيِّنَةٌ لَمْ يُصَالِحْ عَنْهُ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ عَلِمَهُ الْوَلِيُّ. (وَيَتَّجِهُ أَوْ كَانَ الْمُدَّعِي شِرِّيرًا يُخْشَى) أَذَاهُ؛ فَيَصِحُّ الصُّلْحُ حِينَئِذٍ مِنْ وَلِيٍّ عَمَّا ادَّعَى بِهِ عَلَى مُوَلِّيهِ- وَلَوْ لَمْ تَكُنْ بِهِ بَيِّنَةٌ- دَرْءًا لَلْمَفْسَدَةِ، وَمَا لَا يُدْرَكُ كُلُّهُ لَا يُتْرَكُ كُلُّهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا يَصِحُّ) الصُّلْحُ (عَنْ دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ بِبَعْضِهِ)؛ أَيْ: الْمُؤَجَّلِ (حَالًا) نَصًّا؛ لِأَنَّ الْمَحْطُوطَ عِوَضٌ عَنْ التَّعْجِيلِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحُلُولِ وَالْأَجَلِ (إلَّا فِي) دَيْنِ (كِتَابَةٍ) إذَا عَجَّلَ مُكَاتَبٌ لِسَيِّدِهِ بَعْضَ مَالِ كِتَابَتِهِ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الرِّبَا لَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ، (وَإِنْ وَضَعَ) رَبُّ دَيْنٍ (بَعْضَ) دَيْنٍ (حَالٍّ، وَأَجَّلَ بَاقِيَهُ؛ صَحَّ الْوَضْعُ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ تَأْجِيلٍ كَمَا لَوْ وَضَعَهُ كُلَّهُ، وَ(لَا) يَصِحُّ (التَّأْجِيلُ)؛ لِأَنَّ الْحَالَّ لَا يَتَأَجَّلُ؛ وَلِأَنَّهُ وَعْدٌ، وَكَذَا لَوْ صَالَحَ عَنْ مِائَةٍ صِحَاحٍ بِخَمْسِينَ مُكَسَّرَةٍ؛ فَهُوَ إبْرَاءٌ مِنْ الْخَمْسِينَ وَوَعْدٌ فِي الْأُخْرَى، فَلَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ. (وَلَا يَصِحُّ) صُلْحٌ (عَنْ حَقٍّ كَدِيَةٍ خَطَإٍ) عَمْدًا، وَعَمْدٍ لَا قَوْدَ فِيهِ كَجَائِفَةٍ وَمَأْمُومَةٍ (أَوْ قِيمَةِ مُتْلَفٍ غَيْرِ مِثْلِيٍّ)؛ كَمَعْدُودٍ وَمَذْرُوعٍ (بِأَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ) لِمُصَالِحٍ عَنْهُ (مِنْ جِنْسِهِ)؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ وَالْقِيمَةَ تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بِقَدْرِهِ، وَالزَّائِدُ لَا مُقَابِلَ لَهُ، فَيَكُونُ حَرَامًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ؛ كَالثَّابِتِ عَنْ قَرْضٍ (وَيَصِحُّ) الصُّلْحُ (عَنْ مُتْلَفٍ مِثْلِيٍّ)؛ كَبُرٍّ (بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ) مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ.(وَ) يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ حَقٍّ كَدِيَةٍ خَطَإٍ وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ، وَعَنْ مِثْلِيٍّ (بِعِوَضٍ قِيمَتِهِ أَكْثَرُ مِنْ دِيَةٍ أَوْ قِيمَةِ مُتْلَفٍ) أَوْ مِثْلِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَا رِبَا بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ عَنْهُ؛ فَصَحَّ كَمَا لَوْ بَاعَهُ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِدِرْهَمٍ. (وَلَوْ) (صَالَحَهُ عَنْ بَيْتٍ) ادَّعَى عَلَيْهِ بِهِ، (وَأَقَرَّ لَهُ بِهِ عَلَى بَعْضِهِ)؛ أَيْ: الْبَيْتِ (أَوْ) عَلَى (سُكْنَاهُ)؛ أَيْ: سُكْنَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيْتَ (مُدَّةً) مَعْلُومَةً؛ كَسَنَةِ كَذَا أَوْ مَجْهُولَةً كَمَا عَاشَ، (أَوْ عَلَى بِنَاءِ غُرْفَةٍ لَهُ)؛ أَيْ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (فَوْقَهُ) أَيْ: الْبَيْتِ، لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ صَالَحَهُ عَنْ مِلْكِهِ عَلَى مِلْكِهِ أَوْ عَلَى مَنْفَعَةِ مِلْكِهِ. (أَوْ ادَّعَى) مُكَلَّفٌ (رِقَّ مُكَلَّفٍ أَوْ) ادَّعَى (زَوْجِيَّةً مُكَلَّفَةً فَأَقَرَّ) أَيْ: الْمُدَّعِي رِقَّهُ وَالْمُدَّعِي زَوْجِيَّتَهَا (لَهُ) أَيْ: الْمُدَّعَى عَلَى الرِّقِّ الزَّوْجِيَّةَ (بِعِوَضٍ مِنْهُ) أَيْ: الْمُدَّعِي؛ (لَمْ يَصِحَّ) الصُّلْحُ وَالْإِقْرَارُ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: [«إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا». لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الرِّقَّ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِرَقِيقٍ وَالزَّوْجِيَّةَ عَلَى] مَنْ لَمْ يَنْكِحْهَا، وَلَوْ أَرَادَ الْحُرُّ بَيْعَ نَفْسِهِ أَوْ الْمَرْأَةُ بَذْلَ نَفْسِهَا؛ لَمْ يَجُزْ (وَيَرْجِعُ) الْمُقَرُّ لَهُ (عَلَيْهِ)؛ أَيْ: عَلَى الْمُقِرِّ (بِأُجْرَةِ سُكْنَاهُ) فِي الْبَيْتِ، أَوْ بِأُجْرَةِ مَا كَانَ فِي يَدِهِ بَعْضُهُ (إنْ اعْتَقَدَ) الْمُقَرُّ لَهُ (وُجُوبَهُ)؛ أَيْ: مَا ذَكَرَ مِنْ السُّكْنَى أَوْ بَعْضِ الْبَيْتِ أَوْ الْبِنَاءِ (عَلَيْهِ بِالصُّلْحِ)؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، (وَإِلَّا) يَعْتَقِدُ الْمُقَرُّ لَهُ وُجُوبَ ذَلِكَ؛ (فَلَا) يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ، (وَيُجْبَرُ) الْمُقِرُّ (عَلَى نَقْضِ غُرْفَتِهِ) الَّتِي بَنَاهَا؛ لِأَنَّهُ وَضَعَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَيُجْبَرُ أَيْضًا عَلَى (أَدَاءِ أُجْرَةِ السَّطْحِ) مُدَّةَ مَقَامِهِ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ بِيَدِهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، (وَيَأْخُذُ) الْمُقِرُّ (آلَتَهُ) الَّتِي بَنَى بِهَا الْغَرْفَةَ، لِبَقَائِهَا فِي مِلْكِهِ. (وَإِنْ بَذَلَا)؛ أَيْ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْعُبُودِيَّةَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهَا الزَّوْجِيَّةَ (مَالًا) (صُلْحًا عَنْ دَعْوَاهُ)؛ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَأْخُذُهُ عَنْ دَعْوَاهُ الرِّقَّ أَوْ النِّكَاحَ، وَالدَّافِعُ يَقْطَعُ بِهِ الْخُصُومَةَ عَنْ نَفْسِهِ؛ فَجَازَ كَعِوَضِ الْخُلْعِ، لَكِنْ يَحْرُمُ عَلَى الْآخِذِ إنْ عَلِمَ كَذِبَ نَفْسِهِ لِأَخْذِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، (أَوْ بَذَلَتْ) امْرَأَةٌ مَالًا (لِمُبِينِهَا لِيُقِرَّ) لَهَا (بِبَيْنُونَتِهَا؛ صَحَّ)؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْتَاضَ عَنْهَا (فَإِنْ ثَبَتَتْ الزَّوْجِيَّةُ فِي) الْمَسْأَلَةِ (الْأُولَى)، وَهِيَ مَسْأَلَةُ دَعْوَاهُ الزَّوْجِيَّةَ (بَعْدَ ذَلِكَ)؛ أَيْ: بَعْدَ أَنْ دَفَعَتْ لَهُ الْعِوَضَ صُلْحًا عَنْ دَعْوَاهُ الزَّوْجِيَّةَ (بِإِقْرَارِهَا أَوْ بَيِّنَةٍ؛ فَالنِّكَاحُ) بَاقٍ (بِحَالِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الزَّوْجِ طَلَاقٌ وَلَا خُلْعٌ (وَيَتَّجِهُ وَفِي) الْمَسْأَلَةِ (الثَّانِيَةِ) وَهِيَ دَعْوَاهَا أَنَّهُ أَبَانَهَا، وَأَنْكَرَ فَدَفَعَتْ لَهُ مَالًا لِيُقِرَّ لَهَا بِالْبَيْنُونَةِ، فَأَقَرَّ بِهَا (لَا تُسْمَعُ بَيِّنَةٌ) بِالزَّوْجِيَّةِ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِالْبَيْنُونَةِ، [وَلَا] يُسْمَعُ مِنْهَا (إقْرَارٌ) بِهَا كَذَلِكَ لِسَبْقِ إقْرَارِ الزَّوْجِ بِبَيْنُونَةِ الزَّوْجَةِ قَبْلَ ثُبُوتِ الزَّوْجِيَّةِ. (بَلْ إنْ وَافَقَهَا)؛ أَيْ: شَهَادَةَ الْبَيِّنَةِ نِكَاحٌ صَحِيحٌ، وَكَانَ الزَّوْجُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ الْبَيْنُونَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَصَدَّقَتْهُ الزَّوْجَةُ عَلَى ذَلِكَ (دِينَا) فِيمَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَمْ يُقْبَلْ حُكْمًا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَمْ يُمْكِنْ مَا أَخَذَهُ) الزَّوْجُ مِنْ الْعِوَضِ (صُلْحًا) عَنْ دَعْوَى الزَّوْجِيَّةِ فِي الْأُولَى (خُلْعًا)؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْذُلْهُ فِي مُقَابَلَةِ إبَانَتِهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَعْتَرِفْ بِالزَّوْجِيَّةِ حَتَّى تَطْلُبَ الْإِبَانَةَ، (وَلَوْ أَبَانَهَا) بِطَلَاقِ ثَلَاثٍ أَوْ أَقَلَّ (فَصَالَحَهَا عَلَى مَالٍ لِتَتْرُكَ دَعْوَاهَا) الطَّلَاقَ؛ (لَمْ يَجُزْ) الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ يُحِلُّ حَرَامًا.(وَ) مَنْ قَالَ لِغَرِيمِهِ: (أَقِرَّ لِي بِدَيْنِي، وَأُعْطِيكَ) مِنْهُ مِائَةً، (أَوْ) أَقِرَّ لِي بِدَيْنِي، وَ(خُذْ مِنْهُ مِائَةً) مَثَلًا؛ (فَفَعَلَ) أَيْ: أَقَرَّ؛ (لَزِمَهُ) أَيْ: الْمُقِرَّ مَا أَقَرَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لِمَنْ أَقَرَّ، (وَلَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ)؛ لِوُجُوبِ الْإِقْرَارِ عَلَيْهِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ، فَلَمْ يُبَحْ لَهُ الْعِوَضُ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ. (النَّوْعُ الثَّانِي) مَنْ قِسْمِ الصُّلْحِ عَلَى إقْرَارِ أَنْ يُصَالِحَ (عَلَى غَيْرِ جِنْسِهِ)؛ بِأَنْ أَقَرَّ لَهُ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ، ثُمَّ صَالَحَهُ عَنْهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، (وَهُوَ بَيْعٌ يَصِحُّ بِلَفْظِ الصُّلْحِ)؛ كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ عَنْ الشَّيْءِ بِبَعْضِهِ مَمْنُوعَةٌ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَشَارَ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: فَالصُّلْحُ (بِنَقْدٍ عَنْ نَقْدٍ)؛ بِأَنْ أَقَرَّ لَهُ بِدِينَارٍ، فَصَالَحَهُ عَنْهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا (صَرْفٌ) يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِقَمْحٍ وَعَوَّضَهُ عَنْهُ شَعِيرًا أَوْ نَحْوَهُ، مِمَّا لَا يُبَاعُ بِهِ نَسِيئَةً (وَ) الصُّلْحُ عَنْ نَقْدٍ بِأَنْ أَقَرَّ لَهُ بِدِينَارٍ فَصَالَحَهُ عَنْهُ (بِعِوَضٍ)؛ كَثَوْبٍ بِيعَ، (أَوْ) صَالَحَهُ (عَنْهُ)؛ أَيْ: عَنْ عِوَضٍ أَقَرَّ لَهُ بِهِ؛ كَفَرَسٍ (بِنَقْدِ) ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةِ بَيْعٍ، (أَوْ) صَالَحَهُ عَنْ عِوَضٍ كَثَوْبٍ (بِعِوَضِ بَيْعٍ) تُشْتَرَطُ لَهُ شُرُوطُهُ، كَالْعِلْمِ بِهِ، وَالْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَالتَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ رِبَا، (فَلَوْ ادَّعَى زَرْعًا فَصُولِحَ عَلَى دَرَاهِمَ؛ جَازَ ذَلِكَ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُ الزَّرْعِ عَلَى مَا مَرَّ) مِنْ كَوْنِهِ بَعْدَ اشْتِدَادِ حَبِّهِ أَوْ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِي الْحَالِ.(وَ) الصُّلْحُ عَنْهُ أَوْ عِوَضٌ مُقَرٌّ بِهِ (بِمَنْفَعَةٍ كَسُكْنَى) دَارٍ (وَخِدْمَةِ) عَبْدٍ (مُعَيِّنِينَ إجَارَةً)، فَيَعْتَبِرُ لَهُ شُرُوطَهَا، (وَتَبْطُلُ بِتَلَفِ دَارٍ أَوْ مَوْتِ عَبْدٍ)؛ كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ، وَ(لَا) تَبْطُلُ بِعِتْقِهِ أَوْ بَيْعِهِ أَوْ هِبَتِهِ أَوْ بَيْعِ الدَّارِ، (فَإِنْ كَانَ) التَّلَفُ (قَبْلَ اسْتِيفَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ)؛ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ، وَ(رَجَعَ بِمَا صَالَحَ عَنْهُ) مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ، (وَ) إنْ كَانَ التَّلَفُ (بَعْدَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِهَا)؛ أَيْ: بَعْضِ الْمَنْفَعَةِ؛ انْفَسَخَتْ فِيمَا بَقِيَ، وَ(يَرْجِعُ بِقِسْطِ مَا بَقِيَ) مِنْ الْمُدَّةِ.(وَ) الصُّلْحُ (عَنْ دَيْنٍ يَصِحُّ بِغَيْرِ جِنْسِهِ بِأَقَلَّ) مِنْهُ (وَأَكْثَرَ) مِنْهُ وَمُسَاوٍ لَهُ، وَ(لَا) يَصِحُّ صُلْحٌ عَنْ حَقٍّ (بِجِنْسِهِ) كَعَنْ بُرٍّ بِبُرٍّ (أَوْ أَقَلَّ) مِنْهُ (أَوْ أَكْثَرَ) مِنْهُ (عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَضَةِ)؛ لِإِفْضَائِهِ إلَى رِبَا الْفَضْلِ، (لَا) عَلَى وَجْهِ (الْإِبْرَاءِ وَالْهِبَةِ)، فَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ عَلَى وَجْهِ الْإِبْرَاءِ أَوْ الْهِبَةِ؛ صَحَّ لَا بِلَفْظِ الصُّلْحِ.(وَ) الصُّلْحُ عَنْ دَيْنٍ (بِشَيْءٍ فِي الذِّمَّةِ) كَمَا لَوْ صَالَحَهُ عَنْ دِينَارٍ فِي ذِمَّةٍ بِإِرْدَبِّ قَمْحٍ أَوْ نَحْوِهِ فِي الذِّمَّةِ؛ يَصِحُّ، (وَيَحْرُمُ تَفَرُّقٌ قَبْلَ قَبْضٍ؛ لِأَنَّهُ) يَصِيرُ (بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ)، وَهُوَ حَرَامٌ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ صَالَحَهُ)؛ أَيْ: صَالَحَ الْمُقِرُّ الْمُقَرَّ لَهُ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ (لِيُزَوِّجَهُ أَمَتَهُ، وَحَلَّ لَهُ)؛ أَيْ: لِلْمُقَرِّ لَهُ (نِكَاحُهَا)، كَكَوْنِهِ عَادِمَ الطَّوْلِ خَائِفَ الْعَنَتِ؛ (صَحَّ) الصُّلْحُ، (وَكَانَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ) مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ (صَدَاقَهَا)؛ لِأَنَّهُمَا جَعَلَاهُ نَظِيرَ تَزْوِيجِهَا، (فَإِنْ حَصَلَ فَسْخٌ مُسْقِطٌ لَهُ)؛ أَيْ: الصَّدَاقِ، كَفَسْخِهَا لِعَيْبِهِ؛ (رَجَعَ) الزَّوْجُ الْمُقَرُّ لَهُ (بِمُصَالِحٍ عَنْهُ) مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ؛ لِعَوْدِهِ إلَيْهِ بِالْفَسْخِ، (وَ) إنْ [حَصَلَ] فَسْخٌ (مُنَصَّفُ)؛ كَأَنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ؛ تَنَصَّفَ الصَّدَاقُ، وَرَجَعَ الزَّوْجُ (بِنِصْفِهِ)؛ أَيْ: بِنِصْفِ مَا صَالَحَ عَنْهُ (وَ) إنْ حَصَلَ فَسْخٌ (بَعْدَ تَقَرُّرِهِ)؛ أَيْ: الصَّدَاقِ؛ بِأَنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَنَحْوِهِ؛ (فَلَا) رُجُوعَ لَهُ بِشَيْءٍ؛ لِتَقَرُّرِ الصَّدَاقِ بِنَحْوِ الدُّخُولِ. (وَمَنْ صَالَحَتْ) عَنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ أَقَرَّتْ بِهِ (بِتَزْوِيجِ نَفْسِهَا)؛ صَحَّ الصُّلْحُ وَالنِّكَاحُ (وَكَانَ مَا أَقَرَّتْ بِهِ مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ صَدَاقَهَا)؛ لِأَنَّ عَقْدَ التَّزْوِيجِ يَقْتَضِي عِوَضًا، وَلَمْ يُنَبِّهُوا عَلَيْهِ لِظُهُورِهِ. (وَمَنْ صَالَحَ عَنْ عَيْبٍ فِي مَبِيعِهِ)؛ أَيْ: صَالَحَ عَنْ عَيْبِ مَبِيعِهِ (بِشَيْءٍ)؛ أَيْ: بِعَيْنٍ كَدِينَارٍ وَمَنْفَعَةٍ كَسُكْنَى دَارٍ مُعَيَّنَةٍ؛ صَحَّ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْ عَيْبِ الْمَبِيعِ، وَ(رَجَعَ) الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي (بِهِ)؛ أَيْ: بِمَا صَالَحَ بِهِ (إنْ بَانَ عَدَمُهُ)؛ أَيْ: الْعَيْبِ، كَانْتِفَاخِ بَطْنِ أَمَةٍ ظَنَّ أَنَّهُ حَمْلٌ، فَتَبَيَّنَ عَدَمُهُ، (أَوْ زَالَ) الْعَيْبُ (سَرِيعًا عُرْفًا بِلَا كُلْفَةٍ وَلَا عِلَاجٍ)؛ لِظُهُورِ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْمُشْتَرِي لَهُ؛ لِعَدَمِ الْعَيْبِ فِي الْأُولَى وَزَوَالِهِ فِي الثَّانِيَةِ بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ. (وَتَرْجِعُ امْرَأَةٌ صَالَحَتْ عَنْهُ)؛ أَيْ: عَنْ عَيْبٍ أَقَرَّتْ بِهِ فِي مَبِيعِهَا (بِتَزْوِيجِهَا) إنْ لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ، وَتَبَيَّنَ عَدَمُ الْعَيْبِ؛ كَبَيَاضٍ فِي عَيْنِ الْعَبْدِ الَّذِي بَاعَتْهُ ظَنَّتْهُ عَمًى، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ عَمًى، أَوْ زَالَ الْبَيَاضُ سَرِيعًا بِغَيْرِ كُلْفَةٍ وَعِلَاجٍ، وَلَمْ يَحْصُلْ بِهِ تَعْطِيلُ نَفْعٍ، فَإِنَّهَا تَرْجِعُ (بِأَرْشِهِ) عَلَى الزَّوْجِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ أَصْدَقَهَا الَّذِي رَضِيَتْ بِهِ؛ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ، فَبَانَ حُرًّا وَنَحْوُهُ، وَ(لَا) تَرْجِعُ (بِمَهْرِ مِثْلِهَا)؛ لِأَنَّهُ مُسَمًّى لَهَا؛ (فَإِنْ فَسَخَ نِكَاحَهَا بِمُقْسِطٍ لَهُ)؛ أَيْ: الصَّدَاقِ؛ لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا كَفَسْخِهَا لِعَيْبِهِ؛ (رَجَعَ) الزَّوْجُ (عَلَيْهَا بِأَرْشِهِ)؛ أَيْ: الْعَيْبِ، وَهُوَ قِسْطُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَمَعِيبًا مِنْ ثَمَنِهِ كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ صَدَاقُهَا. (وَلَوْ صَالَحَ وَرَثَةً مَنْ وَصَّى لَهُ) مِنْ قِبَلِ مُوَرِّثِهِمْ (بِخِدْمَةِ) رَقِيقٍ مِنْ التَّرِكَةِ، (أَوْ سُكْنَى) دَارٍ مُعَيَّنَةٍ (أَوْ حَمْلِ أَمَةٍ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ) كَدَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ؛ (جَازَ ذَلِكَ صُلْحًا)؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ حَقٍّ، فَيَصِحُّ فِي الْمَجْهُولِ لِلْحَاجَةِ، (لَا بَيْعًا)؛ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمَبِيعِ. (وَيَصِحُّ) (الصُّلْحُ عَمَّا)؛ أَيْ: مَجْهُولٍ لَهُمَا أَوْ لِلْمَدِينِ (تَعَذَّرَ عِلْمُهُ مِنْ دَيْنٍ)؛ كَمَنْ بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةٌ وَحِسَابٌ مَضَى عَلَيْهِ زَمَنٌ طَوِيلٌ، (أَوْ) تَعَذَّرَ عِلْمُهُ مِنْ (عَيْنٍ)؛ كَقَفِيزِ حِنْطَةٍ وَقَفِيزِ شَعِيرٍ اُخْتُلِطَا وَطُحِنَا، (بـِ) مَالٍ (مَعْلُومٍ نَقْدٍ)؛ أَيْ: حَالٍّ (وَنَسِيئَةٍ)؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِرَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي مَوَارِيثَ دَرَسَتْ بَيْنَهُمَا: «اسْتَهِمَا وَتَوَخَّيَا الْحَقَّ، وَلْيَحْلِلْ أَحَدُكُمَا صَاحِبَهُ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد؛ وَلِأَنَّهُ إسْقَاطُ حَقٍّ؛ فَصَحَّ فِي الْمَجْهُولِ لِلْحَاجَةِ؛ كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ، وَلَوْ قِيلَ بِعَدَمِ جَوَازِهِ لَأَفْضَى إلَى ضَيَاعِ الْحَقِّ، وَبَقَاءِ شَغْلِ الذِّمَّةِ؛ إذْ لَا طَرِيقَ إلَى التَّخَلُّصِ إلَّا بِهِ؛ (كَصُلْحِهَا)؛ أَيْ: الزَّوْجَةِ (عَنْ صَدَاقِهَا) الَّذِي لَا بَيِّنَةَ لَهَا بِهِ، (وَلَا عِلْمَ لَهَا وَلَا وَارِثَ بِقَدْرِهِ، وَكَالرَّجُلَيْنِ) أَوْ الْمَرْأَتَيْنِ أَوْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ (بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةٌ وَحِسَابٌ) قَدْ مَضَى عَلَيْهِ زَمَنٌ طَوِيلٌ (وَلَا عِلْمَ لِكُلٍّ) مِنْهُمَا (بِمَا عَلَيْهِ لِصَاحِبِهِ، أَوْ لَا عِلْمَ لِمَنْ عَلَيْهِ) الدَّيْنُ؛ بِأَنْ كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ لَا عِلْمَ لَهُ بِقَدْرِهِ، (وَلَوْ عَلِمَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ)، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ بِمَا يَدَّعِيهِ، (وَيَتَّجِهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَأْخُذَ) صَاحِبُ الْحَقِّ الْعَالِمُ بِهِ (أَكْثَرَ مِمَّا عَلَيْهِ)، فَإِنْ أَخَذَ زِيَادَةً عَمَّا يَعْلَمُ؛ حُرِّمَ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ الصُّلْحُ بَاطِلًا فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ صُلْحٌ أَحَلَّ حَرَامًا، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ.(وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ قِيَاسَهُ عَكْسُهُ)؛ أَيْ: بِأَنْ كَانَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ يَعْلَمُ قَدْرَهُ، وَصَاحِبُ الْحَقِّ لَا يَعْلَمُ؛ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ بِأَقَلَّ مِمَّا يَعْلَمُهُ؛ لِلْخَبَرِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ بِمَجْهُولٍ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ وَاجِبٌ، وَالْجَهْلُ يَمْنَعُهُ، (فَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ) الْمَجْهُولُ، بَلْ أَمْكَنَتْ مَعْرِفَتُهُ (فَكَبَرَاءَةٍ مِنْ مَجْهُولٍ تَصِحُّ فِي الدَّيْنِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْهِبَةِ). جَزَمَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَقَدْ نَزَّلَ أَصْحَابُنَا الصُّلْحَ عَنْ الْمَجْهُولِ الْمُقَرِّ بِهِ بِمَعْلُومٍ مَنْزِلَةَ الْإِبْرَاءِ مِنْ الْمَجْهُولِ؛ فَيَصِحُّ عَلَى الْمَشْهُورِ لِقَطْعِ النِّزَاعِ انْتَهَى.[ثُمَّ ذَكَرَ] مَا لَمْ يَتَعَذَّرْ عِلْمُهُ، فَقَالَ: (وَلَوْ صَالَحَ بَعْضَ الْوَرَثَةِ عَنْ مِيرَاثِهِ) الَّذِي لَا يَعْرِفُ كَمِّيَّتَهُ (فِي تَرِكَةٍ مَوْجُودَةٍ لَمْ يَتَعَذَّرْ عِلْمُهَا بِشَيْءٍ؛ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ) فِي ظَاهِرِ نُصُوصِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَقَطَعَ بِهِ الْمُوَفَّقُ وَالْمَجْدُ وَالشَّارِحُ؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ.قَالَ أَحْمَدُ: إنْ صُولِحَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ ثَمَنِهَا لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ شُرَيْحٍ (وَتَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْعَيْنِ كَالدَّيْنِ حَيْثُ كَانَتْ) الْعَيْنُ (فِي يَدِ الْمُبْرَأِ) كَالْوَدِيعَةِ وَالْمَغْصُوبِ، صَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ (خِلَافًا لَهُ)؛ أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ حَيْثُ قَالَ هُنَا: وَلَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْ عَيْنٍ بِحَالٍ؛ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَتْ مَعْلُومَةً أَوْ مَجْهُولَةً بِيَدِ الْمُبْرِئِ أَوْ الْمُبْرَأِ مَعَ أَنَّهُ قَالَ فِي الصَّدَاقِ: إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، وَعَفَا الَّذِي لَيْسَ بِيَدِهِ؛ يَصِحُّ بِلَفْظِ الْعَفْوِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا.(الْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ قِسْمَيْ الصُّلْحِ فِي الْمَالِ الصُّلْحُ (عَلَى إنْكَارٍ، وَشَرْطُ صِحَّتِهِ)؛ أَيْ: الصُّلْحِ عَلَى إنْكَارٍ (اعْتِقَادُ مُدَّعٍ حَقِيقَةَ مَا ادَّعَاهُ) عَلَى غَرِيمِهِ، (وَ) اعْتِقَادُ (الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَكْسَهُ)؛ أَيْ: بُطْلَانَ جَمِيعِ مَا ادَّعَى بِهِ أَوْ بَعْضِهِ، بَيَانُ ذَلِكَ (بِأَنْ يَدَّعِيَ) شَخْصٌ عَلَى آخَرَ (عَيْنًا أَوْ دَيْنًا) فِي ذِمَّتِهِ، (فَيُنْكِرُ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَوْ يَسْكُتُ، وَهُوَ) أَيْ: الْمُدَّعِي (يَجْهَلُهُ)؛ أَيْ: الْمُدَّعَى بِهِ، (ثُمَّ يُصَالِحُهُ عَلَى نَقْدٍ أَوْ نَسِيئَةٍ)؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ مُلْجَأٌ إلَى التَّأْخِيرِ بِتَأْخِيرِ خَصْمِهِ؛ (فَيَصِحُّ) الصُّلْحُ؛ لِلْخَبَرِ، لَا يُقَالُ: هَذَا يُحِلُّ حَرَامًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَحَلَّ بِالصُّلْحِ؛ لِأَنَّ هَذَا يُوجَدُ فِي الصُّلْحِ بِمَعْنَى الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ يُحِلُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ قَبْلَهُ، وَكَذَا الصُّلْحُ بِمَعْنَى الْهِبَةِ؛ فَيُحِلُّ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ مَا كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ قَبْلَهَا، وَالْإِبْرَاءُ يُحِلُّ لَهُ تَرْكَ أَدَاءِ مَا كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَأَيْضًا لَوْ حَلَّ بِهِ الْمُحَرَّمَ لَكَانَ الصُّلْحُ صَحِيحًا، فَإِنَّ الصُّلْحَ الْفَاسِدَ لَا يُحِلُّ الْحَرَامَ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى تَنَاوُلِ الْمُحَرَّمِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى تَحْرِيمِهِ؛ كَمَا لَوْ صَالَحَهُ عَلَى اسْتِرْقَاقِ حُرٍّ أَوْ إحْلَالِ بُضْعٍ مُحَرَّمٍ، أَوْ صَالَحَهُ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، وَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ صُلْحٌ يَصِحُّ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ؛ فَصَحَّ مَعَ الْخَصْمِ؛ كَالصُّلْحِ مَعَ الْإِقْرَارِ. (وَيَكُونُ) الصُّلْحُ عَلَى إنْكَارِ (إبْرَاءٍ فِي حَقِّهِ)؛ أَيْ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (لِدَفْعِهِ الْمَالَ افْتِدَاءً لِيَمِينِهِ، فِي مُقَابَلَةِ حَقٍّ ثَبَتَ عَلَيْهِ، فَلَا شُفْعَةَ فِي عَقَارِهِ)؛ أَيْ: الْمُصَالَحِ عَنْهُ إنْ كَانَ شِقْصًا مِنْ عَقَارٍ، (وَلَا يَسْتَحِقُّ) مُدَّعًى عَلَيْهِ (لِعَيْبٍ) وَجَدَهُ فِي مُصَالَحٍ عَنْهُ (شَيْئًا)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ الْعِوَضَ فِي مُقَابَلَتِهِ؛ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ مَلَكَهُ قَبْلَ الصُّلْحِ فَلَا مُعَاوَضَةَ، (وَ) يَكُونُ الصُّلْحُ (بَيْعًا فِي حَقِّ مُدَّعٍ، فَلَهُ رَدُّ مَا أَخَذَهُ بِعَيْبٍ) يَجِدُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عِوَضًا عَمَّا ادَّعَاهُ، (وَفَسْخُ الصُّلْحِ) إنْ وَقَعَ عَلَى عَيْنِهِ، وَإِلَّا رَدَّهُ، وَطَالَبَهُ بِبَدَلِهِ، وَلَهُ الْأَرْشُ مَعَ الْإِمْسَاكِ. (وَثَبَتَ فِي) شِقْصٍ (مَشْفُوعٍ) صُولِحَ بِهِ (الشُّفْعَةُ)؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عِوَضًا عَمَّا ادَّعَاهُ؛ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِهِ (إلَّا إذَا صَالَحَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُدَّعِيَ (بِبَعْضِ عَيْنٍ مُدَّعٍ بِهَا)؛ كَمَنْ ادَّعَى نِصْفَ دَارٍ بِيَدِ آخَرَ، فَأَنْكَرَهُ، وَصَالَحَهُ عَلَى رُبْعِهَا، فَالْمُدَّعِي فِي الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ كَالْمُنْكِرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، (فَلَا) يُؤْخَذُ مِنْهُ بِشُفْعَةٍ، وَلَا يَسْتَحِقُّ لِعَيْبٍ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ أَخَذَ بَعْضَ عَيْنِ مَالِهِ مُسْتَرْجِعًا لَهُ مِمَّنْ هُوَ عِنْدَهُ. (وَمَنْ عَلِمَ بِكَذِبِ نَفْسِهِ) مِنْ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ؛ (فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ فِي حَقِّهِ)، أَمَّا الْمُدَّعِي فَلِأَنَّ الصُّلْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى دَعْوَاهُ الْبَاطِلَةِ، وَأَمَّا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى جَحْدِهِ حَقَّ الْمُدَّعِي لِيَأْكُلَ مَا يَنْتَقِصُهُ بِالْبَاطِلِ، (وَمَا أَخَذَهُ) مُدَّعٍ عَالِمٌ كَذِبَ نَفْسِهِ مِمَّا صُولِحَ بِهِ، أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ مِمَّا انْتَقَصَهُ مِنْ الْحَقِّ بِجَحْدِهِ؛ فَهُوَ (حَرَامٌ)؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ مَالَ الْغَيْرِ بِالْبَاطِلِ. (وَلَا يَشْهَدُ لَهُ إنْ عَلِمَ ظُلْمَهُ) نَصًّا، وَإِنْ صَالَحَ الْمُنْكِرُ بِشَيْءٍ، ثُمَّ أَقَامَ مُدَّعٍ بَيِّنَةً أَنْ الْمُنْكِرَ أَقَرَّ قَبْلَ الصُّلْحِ بِالْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي؛ لَمْ تُسْمَعْ الْبَيِّنَةُ، وَلَوْ شَهِدَتْ بِأَصْلِ الْمِلْكِ وَلَمْ يَنْقُصْهُ الصُّلْحُ؛ لِاحْتِمَالِ انْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِ بَعْدَ إشْهَادِهَا بِمَا ذَكَرَ. (وَمَنْ قَالَ) لِآخَرَ: (صَالِحْنِي عَنْ الْمِلْكِ الَّذِي تَدَّعِيهِ، أَوْ) قَالَ لَهُ (بِعَيْنِهِ؛ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِهِ)؛ أَيْ: بِالْمِلْكِ لِلْمَقُولِ لَهُ؛ لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ صِيَانَةِ نَفْسِهِ عَنْ التَّبَذُّلِ وَحُضُورِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِذَلِكَ. (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالٌ أَوْ) قَالَ لَهُ: صَالِحْنِي عَنْ مِلْكِك الَّذِي تَدَّعِيهِ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ فِي مَحَلِّ الْمُشَاجَرَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَلَى سَبِيلِ التَّهَكُّمِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ لَوْ سَاعَدَتْهُ النُّصُوصُ. (وَإِنْ صَالَحَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ مُتَنَكِّرٍ لِدَيْنٍ) بِإِذْنِهِ أَوْ بِدُونِهِ؛ صَحَّ؛ لِجَوَازِ قَضَائِهِ عَنْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِفِعْلِ عَلِيٍّ وَأَبِي قَتَادَةَ، وَأَقَرَّهُمَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَتَقَدَّمَ، (أَوْ) صَالَحَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ مُنْكِرٍ (لِعَيْنٍ بِإِذْنِهِ)؛ أَيْ: سَوَاءٌ اعْتَرَفَ الْأَجْنَبِيُّ لِلْمُدَّعِي بِصِحَّةِ دَعْوَاهُ عَلَى الْمُنْكِرِ أَوْ لَمْ يَعْتَرِفْ؛ (صَحَّ) الصُّلْحُ (وَرَجَعَ) الْأَجْنَبِيُّ (بِالْأَقَلِّ) مِمَّا دَفَعَهُ أَوْ ادَّعَى بِهِ، أَمَّا مَعَ الْإِذْنِ فِي الْأَدَاءِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا مَعَ الْإِذْنِ فِي الصُّلْحِ فَقَطْ؛ فَلِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْأَدَاءُ عَلَيْهِ بِعَقْدِ الصُّلْحِ فَإِذَا أَدَّى فَقَدْ أَدَّى وَاجِبًا عَنْهُ غَيْرُهُ مُحْتَسِبًا بِالرُّجُوعِ، فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ، (وَ) إنْ صَالَحَ الْأَجْنَبِيُّ (بِدُونِهِ)؛ أَيْ: إذْنِ الْمُنْكِرِ؛ (صَحَّ) الصُّلْحُ، (وَلَمْ يَرْجِعْ) الْأَجْنَبِيُّ بِشَيْءٍ مِمَّا صَالَحَ عَنْ الْمُنْكِرِ- وَلَوْ نَوَى الرُّجُوعَ- لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْهُ مَا لَا يَلْزَمُهُ، فَكَانَ مُتَبَرِّعًا كَمَا لَوْ تَصَدَّقَ عَنْهُ. (وَإِنْ صَالَحَ الْأَجْنَبِيُّ) الْمُدَّعِيَ (لِنَفْسِهِ لِيَكُونَ الطَّلَبُ لَهُ)؛ أَيْ: الْأَجْنَبِيِّ- وَقَدْ (أَنْكَرَ) الْأَجْنَبِيُّ (الدَّعْوَى-)؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ الْمُدَّعِي مَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ، وَلَمْ تَتَوَجَّهْ إلَيْهِ خُصُومَةٌ يَفْتَدِي مِنْهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى مِنْهُ مِلْكَ غَيْرِهِ، (أَوْ لَا)؛ أَيْ: وَلَمْ يُنْكِرْ الْأَجْنَبِيُّ (وَالْمُدَّعَى بِهِ دَيْنٌ)؛ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، (أَوْ) الْمُدَّعَى بِهِ (عَيْنٌ)، وَأَقَرَّ الْأَجْنَبِيُّ بِهَا، (وَعَلِمَ) الْأَجْنَبِيُّ (عَجْزَهُ عَنْ اسْتِنْقَاذِهَا) مِنْ مُدَّعًى عَلَيْهِ؛ (لَمْ يَصِحَّ) الصُّلْحُ؛ (لِأَنَّهُ) فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ (بَيْعُ دَيْنٍ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَ) فِي الْعَيْنِ بَيْعُ (مَغْصُوبٍ لِغَيْرِ قَادِرٍ عَلَى أَخْذِهِ)، وَتَقَدَّمَ حُكْمُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، بَعْضُهَا فِي الْبَيْعِ، وَبَعْضُهَا فِي السَّلَمِ، بَلْ مَسْأَلَةُ الدَّيْنِ تَكَرَّرَتْ فِيهِمَا، (وَإِنْ ظَنَّ) الْأَجْنَبِيُّ (الْقُدْرَةَ) عَلَى اسْتِنْقَاذِهَا؛ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ مَالِكٍ مِلْكَهُ الْقَادِرِ عَلَى أَخْذِهِ فِي اعْتِقَادِهِ، (أَوْ) ظَنَّ (عَدَمَهَا)؛ أَيْ؛ الْقُدْرَةِ، (ثُمَّ تَبَيَّنَتْ) قُدْرَتُهُ عَلَى اسْتِنْقَاذِهَا؛ (صَحَّ) الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَنَاوَلَ مَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ ظَنُّ عَدَمِهِ، (ثُمَّ إنْ عَجَزَ الْأَجْنَبِيُّ) بَعْدَ الصُّلْحِ ظَانًّا الْقُدْرَةَ عَلَى اسْتِنْقَاذِهَا؛ (خُيِّرَ بَيْنَ فَسْخِ) الصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ لَهُ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ، فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى بَدَلِهِ (وَ) بَيْنَ (إمْضَاءِ) الصُّلْحِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ كَخِيَارِ الْعَيْبِ، وَإِنْ قَالَ الْأَجْنَبِيُّ لِلْمُدَّعِي: أَنَا وَكِيلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي مُصَالَحَتِك عَنْ الْعَيْنِ، وَهُوَ مُقِرٌّ لَك بِهَا فِي الْبَاطِنِ وَإِنَّمَا يَجْحَدُك فِي الظَّاهِرِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ هَضْمٌ لِلْحَقِّ..(فَصْلٌ) فِي الصُّلْحِ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ: (وَيَصِحُّ صُلْحٌ مَعَ إقْرَارٍ وَمَعَ إنْكَارٍ عَنْ قَوْلٍ فِي نَفْسٍ وَعُضْوٍ وَعَنْ سُكْنَى) دَارٍ وَنَحْوِهَا (وَ) عَنْ (عَيْبٍ) فِي عِوَضٍ أَوْ مُعَوَّضٍ.قَالَ فِي الْمُجَرَّدِ: وَإِنْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ، فَيَصِحُّ عَنْ قَوْلِ (بِفَرْقِ دِيَةٍ)، وَلَوْ بَلَغَ دِيَاتٍ، أَوْ قِيلَ: الْوَاجِبُ إحْدَى شَيْئَيْنِ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ بَذَلُوا لِلَّذِي وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ عَلَى هُدْبَةَ بْنِ خَشْرَمٍ سَبْعَ دِيَاتٍ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، وَلِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ، فَلَمْ يَقَعْ الْعِوَضُ فِي مُقَابَلَتِهِ. وَيَصِحُّ الصُّلْحُ عَمَّا تَقَدَّمَ (مَهْرًا) فِي نِكَاحٍ مِنْ عِوَضٍ أَوْ نَقْدٍ، قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ (بِمَا يَثْبُتُ)؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ إسْقَاطُهُ.وَ(لَا) يَصِحُّ الصُّلْحُ (بِعِوَضٍ عَنْ خِيَارٍ) فِي بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ (أَوْ) عَنْ (شُفْعَةٍ أَوْ) عَنْ (حَدِّ قَذْفٍ) وَلِأَنَّهَا لَمَا تَشْرَعُ لِاسْتِفَادَةِ مَالٍ، بَلْ الْخِيَارُ لِلنَّظَرِ فِي الْأَحُظِّ، وَالشُّفْعَةِ لِإِزَالَةِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ، وَحَدُّ الْقَذْفِ لِلزَّجْرِ عَنْ الْوُقُوعِ فِي أَعْرَاضِ النَّاسِ، (وَتَسْقُطُ جَمِيعًا) أَيْ: الْخِيَارُ وَالشُّفْعَةُ وَحَدُّ الْقَذْفِ بِالصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِتَرْكِهَا. (وَلَا) يَصِحُّ أَنْ يُصَالِحَ (سَارِقًا أَوْ شَارِبًا لِيُطْلِقَهُ) وَلَا يَرْفَعُهُ لِلسُّلْطَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَخْذُ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَتِهِ، (أَوْ يُصَالِحَ شَاهِدًا لِيَكْتُمَ شَهَادَتَهُ)؛ لِتَحْرِيمِ كِتْمَانِهَا، فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، (أَوْ) يُصَالِحَهُ عَلَى أَنْ (لَا يَشْهَدَ) عَلَيْهِ (بِزُورٍ)، فَهُوَ حَرَامٌ؛ كَمَا لَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ لَا يَقْتُلَهُ، أَوْ يَغْصِبَهُ مَالَهُ، أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ يَلْزَمُهُ الشَّهَادَةُ بِهِ كَدَيْنِ آدَمِيٍّ أَوْ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ كَالزَّكَاةِ، أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَا يُوجِبُ حَدًّا كَزِنًا وَسَرِقَةٍ، فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ فِي الْكَدِّ. (وَمَنْ صَالَحَ) آخَرَ (عَنْ نَحْوِ دَارٍ)؛ كَكِتَابٍ أَوْ حَيَوَانٍ (بِعِوَضٍ مُعَيَّنٍ، فَبَانَ) الْعِوَضُ (مُسْتَحَقًّا) لِغَيْرِ الْمُصَالِحِ، أَوْ بَانَ الْقِنُّ حُرًّا؛ (رَجَعَ بِالدَّارِ) الْمُصَالَحِ عَنْهَا إنْ بَقِيَتْ، (أَوْ) رَجَعَ (بِقِيمَتِهَا)؛ أَيْ: الدَّارِ وَنَحْوِهَا حَيْثُ كَانَتْ (تَالِفَةً) إنْ كَانَ الصُّلْحُ (مَعَ إقْرَارِ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ حَقِيقَةً- وَقَدْ تَبَيَّنَ فَسَادُهُ لِفَسَادِ عِوَضِهِ- فَرَجَعَ فِيمَا كَانَ لَهُ، (وَ) رَجَعَ بِالدَّعْوَى؛ أَيْ: إلَى دَعْوَاهُ قَبْلَ الصُّلْحِ (مَعَ إنْكَارٍ)، لِتَبَيُّنِ بُطْلَانِهِ، (وَ) رَجَعَ الْمُصَالِحُ (عَنْ قَوْدٍ) مِنْ نَفْسٍ أَوْ دُونِهَا بِعِوَضٍ بَانَ مُسْتَحَقًّا (بِقِيمَةِ عِوَضٍ) مُصَالَحٍ بِهِ؛ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِ مَا جُعِلَ عِوَضًا عَنْهُ، وَكَذَا لَوْ صَالَحَ عَنْهُ بِقِنٍّ، فَخَرَجَ حُرًّا. (وَإِنْ عَلِمَا)؛ أَيْ: عَلِمَ الْمُتَصَالِحَانِ الْعِوَضَ [مُسْتَحَقًّا] أَوْ حُرًّا حَالَ الصُّلْحِ، (فَبِالدِّيَةِ) يَرْجِعُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ؛ لِحُصُولِ الرِّضَى عَلَى تَرْكِ الْقِصَاصِ، فَيَسْقُطُ إلَى الدِّيَةِ؛ وَكَذَا لَوْ كَانَ مَجْهُولًا كَدَارٍ وَشَجَرَةٍ، فَتَبْطُلُ التَّسْمِيَةُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ، وَإِنْ صَالَحَ فِي الْقَوْدِ عَلَى عَبْدٍ أَوْ بَعِيرٍ وَنَحْوِهِ مُطْلَقًا؛ صَحَّ وَلَهُ الْوَسَطُ. (وَحَرُمَ أَنْ يُجْرِيَ) شَخْصٌ (فِي أَرْضِ غَيْرِهِ أَوْ فِي سَطْحِهِ)؛ أَيْ: الْغَيْرِ (مَاءً)- وَلَوْ تَضَرَّرَ بِتَرْكِهِ- (بِلَا إذْنِهِ)؛ أَيْ: رَبِّ الْأَرْضِ أَوْ السَّطْحِ؛ لِتَضَرُّرِهِ أَوْ تَضَرُّرِ أَرْضِهِ، وَكَزَارِعِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا اسْتِعْمَالٌ لِمَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، (وَلَوْ لَمْ يَتَضَرَّرْ) رَبُّ الْأَرْضِ وَالسَّطْحِ (بِذَلِكَ)؛ أَيْ: بِالْإِجْرَاءِ، وَلَمْ تَتَضَرَّرْ الْأَرْضُ أَوْ السَّطْحُ، (وَاضْطُرَّ الْمُجْرِي) إلَى الْإِجْرَاءِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ؛ (جَازَ)؛ كَوَضْعِ خَشَبٍ عَلَى جِدَارِ جَارِهِ، كَمَا يَأْتِي. قَطَعَ بِهِ الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَإِنْ لَمْ يُضَرَّ بَدَلَ قَوْلِهِ وَلَوْ لَمْ يَتَضَرَّرْ، وَهُوَ مَرْجُوحٌ، وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْجَوَازِ. (وَيَصِحُّ صُلْحُهُ عَلَى ذَلِكَ)؛ أَيْ: إجْرَاءِ مَائِهِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ أَوْ سَطْحِهِ (بِعِوَضٍ) مَعْلُومٍ، فَإِنْ صَالَحَهُ (مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ)؛ أَيْ: رَبِّ الْمَحَلِّ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ، بِأَنْ تَصَالَحَا عَلَى إجْرَائِهِ فِيهِ، وَمِلْكِهِ فِيهِ، وَمَلَكَهُ بِحَالِهِ؛ فَهُوَ (إجَارَةٌ)؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ، (وَإِلَّا)؛ أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَقَعْ الصُّلْحُ عَلَى أَنَّ مِلْكَ الْمَحَلِّ بَاقٍ لَهُ؛ فَهُوَ (بَيْعٌ)؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ فِي مُقَابَلَةِ الْمَحَلِّ، (وَيُعْتَبَرُ) لِصِحَّةِ ذَلِكَ إذَا وَقَعَ إجَارَةً (عِلْمُ قَدْرِ الْمَاءِ) الَّذِي يُجْرِيهِ لِاخْتِلَافِ ضَرَرِهِ بِكَثْرَتِهِ وَقِلَّتِهِ (بِسَاقِيَتِهِ)؛ أَيْ: الْمَاءِ (الَّتِي يَجْرِي فِيهَا)، وَهِيَ الْأُنْبُوبَةُ، لَا الْقَنَاةُ- وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُتَعَارَفُ- لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ مِلْئِهَا (وَعِلْمُ) قَدْرِ (مَاءِ مَطَرٍ بِرُؤْيَةِ مَا)؛ أَيْ: مَحَلٍّ (يَزُولُ عَنْهُ) مِنْ سَطْحٍ أَوْ أَرْضٍ (أَوْ مِسَاحَتِهِ)؛ أَيْ: ذِكْرُ قَدْرِ طُولِهِ وَعَرْضِهِ لِيُعْلَمَ مَبْلَغُهُ، (وَتَقْدِيرِ مَا يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ) مِنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ، وَ(لَا) يُعْتَبَرُ عِلْمُ قَدْرِ (عُمْقِهِ، وَلَوْ بِأُجْرَةٍ)؛ أَيْ: فَلَا لَا يُعْتَبَرُ فِي الْإِجَارَةِ أَيْضًا عِلْمُ قَدْرِ الْعُمْقِ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ عَيْنَ الْأَرْضِ أَوْ نَفْعَهَا فَلَهُ أَنْ يُنْزِلَ فِيهَا مَا شَاءَ، (خِلَافًا لَهُ)؛ أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ إجَارَةً اُشْتُرِطَ ذِكْرُ الْعُمْقِ. (وَلَا) يُعْتَبَرُ أَيْضًا عِلْمُ قَدْرِ (مُدَّتِهِ لِلْحَاجَةِ كَنِكَاحٍ، فَيَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِمُدَّةٍ) قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: لَا قَدْرَ مُدَّتِهِ لِلْحَاجَةِ كَالنِّكَاحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَتَبِعَهُمْ فِي الْمُنْتَهَى، وَفِي الْإِقْنَاعِ يُشْتَرَطُ فِيهِ تَقْدِيرُ الْمُدَّةِ. وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ، وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ: لَيْسَ بِأُجْرَةٍ مَحْضَةٍ؛ لِعَدَمِ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ، بَلْ هُوَ بِالْبَيْعِ. (وَلِمُسْتَأْجِرٍ وَمُسْتَعِيرٍ الصُّلْحُ عَلَى سَاقِيَةٍ؛ أَيْ: قَنَاةٍ مَحْفُورَةٍ) فِي أَرْضٍ اسْتَأْجَرَهَا أَوْ اسْتَعَارَهَا لِيُجْرِيَ الْغَيْرُ مَاءَهُ فِيهَا؛ لِدَلَالَتِهِ عَلَى رَسْمٍ قَدِيمٍ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ إلَّا (بِقَدْرِ مُدَّةِ [الْإِجَارَةِ]) فَإِنْ لَمْ تَكُنْ السَّاقِيَّةُ مَحْفُورَةً؛ لَمْ يَجُزْ إحْدَاثُهَا فِيهَا. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (كَوْنُ عِوَضٍ) مُصَالَحٍ بِهِ عَلَى السَّاقِيَةِ الْمُؤَجَّرَةِ (لِمُسْتَأْجِرٍ)؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَفْعَهَا وَانْتِفَاعَهَا، وَأَمَّا الْعِوَضُ الَّذِي صَالَحَ بِهِ الْمُسْتَعِيرُ؛ فَهُوَ لِمَالِكِ الْأَرْضِ، كَمَا يَأْتِي فِي الْعَارِيَّةِ فِيمَا لَوْ أَجَرَهَا بِإِذْنِ مُعِيرٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ أَوْ يُعِيرَ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَيَجُوزُ لِمُسْتَأْجِرٍ وَمُسْتَعِيرٍ الصُّلْحُ (عَلَى إجْرَاءِ مَاءِ مَطَرٍ عَلَى سَطْحٍ أَوْ) عَلَى (أَرْضٍ)؛ لِأَنَّ السَّطْحَ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ- وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ- وَالْأَرْضُ يُجْعَلُ لِغَيْرِ صَاحِبِهَا رَسْمًا؛ فَرُبَّمَا ادَّعَى رَبُّ الْمَاءِ الْمِلْكَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ (وَ) أَرْضٌ (مَوْقُوفَةٌ- وَلَوْ عَلَيْهِ- كَمُؤَجَّرَةٍ) فِي الصُّلْحِ عَنْ ذَلِكَ، فَيَجُوزُ عَلَى سَاقِيَةٍ مَحْفُورَةٍ، لَا عَلَى إحْدَاثِ سَاقِيَةٍ أَوْ إجْرَاءِ مَاءِ مَطَرٍ عَلَيْهَا. قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى (وَ) قَالَ (فِي الْمُغْنِي: الْأَوْلَى الْجَوَازُ)؛ أَيْ: يَجُوزُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ حَفْرُ السَّاقِيَةِ؛ (لِأَنَّ الْأَرْضَ لَهُ)، وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا كَيْفَ شَاءَ، مَا لَمْ يَنْتَقِلْ الْمِلْكُ فِيهَا إلَى غَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجِرِ.قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ أَنَّ الْبَابَ وَالْخَوْخَةَ وَالْكُوَّةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ، وَفِي مَوْقُوفِهِ الْخِلَافُ أَوْ يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَعْلِيلَ صَاحِبِ الْمُغْنِي لَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا لَمْ يُفْدَ، وَظَاهِرُهُ لَا تُعْتَبَرُ الْمَصْلَحَةُ وَإِذْنُ الْحَاكِمِ، بَلْ عَدَمُ الضَّرَرِ، وَأَنَّ إذْنَهُ، يُعْتَبَرُ لِرَفْعِ الْخِلَافِ. وَجَعَلَ ابْنُ عَقِيلٍ إذْنَ الْحَاكِمِ فِيهِ لِمَصْلَحَةِ الْمَأْذُونِ الْمُمْتَازِ بِأَمْرٍ شَرْعِيٍّ، فَلِمَصْلَحَةِ الْمَوْقُوفِ أَوْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْلَى، وَهُوَ مَعْنَى نَصِّهِ فِي تَجْدِيدِهِ لِمَصْلَحَةٍ كالحكورة، وَعَمِلَهُ حُكَّامُ الشَّامِ حَتَّى صَاحِبُ الشَّرْعِ فِي الْجَامِعِ الْمُظَفَّرِيِّ، وَقَدْ زَادَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيَّرَا بِنَاءَهُ، ثُمَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَزَادَ فِيهِ أَبْوَابًا، ثُمَّ الْمَهْدِيُّ، ثُمَّ الْمَأْمُونُ قُلْتُ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ أَنَّ الْمَوْقُوفَةَ كَمُؤَجَّرَةٍ شَامِلٌ لِلْمَوْقُوفَةِ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَلِلنَّاظِرِ فِعْلُ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ (وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى سَقْيِ أَرْضِهِ)؛ أَيْ: زَيْدٍ مَثَلًا (مِنْ نَهْرِهِ)؛ أَيْ: عَمْرٍو (أَوْ) مِنْ (عَيْنِهِ) أَوْ بِئْرِهِ الْمُعَيَّنِ (مُدَّةً- وَلَوْ) كَانَتْ مُدَّةُ السَّقْيِ (مُعَيَّنَةً- لَمْ يَصِحَّ) الصُّلْحُ بِعِوَضٍ؛ (لِعَدَمِ مِلْكِهِ الْمَاءَ)؛ لِأَنَّ مَاءَ الْعَيْنِ لَا يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ، كَمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى سَهْمٍ مِنْهَا)؛ أَيْ: مِنْ النَّهْرِ أَوْ الْعَيْنِ أَوْ الْبِئْرِ (كَثُلُثٍ) وَرُبْعٍ وَخُمُسٍ؛ (جَازَ) الصُّلْحُ، (وَكَانَ) ذَلِكَ (بَيْعًا لِ) الْجُزْءِ الْمُسَمَّى مِنْ (الْقَرَارِ، وَالْمَاءُ تَابِعٌ لَهُ)؛ أَيْ: لِلْقَرَارِ، فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِيهِ. (وَيَتَّجِهُ وَ) إنْ صَالَحَهُ عَلَى سَاقِيَةٍ (بِأَرْضٍ) مَوْقُوفَةٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ (نَحْوُ) أَرْضِ (مِصْرَ) كَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَغَيْرِهَا مِمَّا فُتِحَ عَنْوَةً، وَلَمْ يُقْسَمْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ (إنْ كَانَتْ) السَّاقِيَةُ (مَبْنِيَّةً، فَكَذَلِكَ) يَجُوزُ الصُّلْحُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْعًا لِلْبِنَاءِ، وَالْمَاءُ تَابِعٌ لَهُ، (وَإِلَّا) تَكُنْ السَّاقِيَةُ مَبْنِيَّةً؛ (فَلَا) يَجُوزُ الصُّلْحُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَمْلُوكَةٍ لَهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَصِحُّ شِرَاءُ مَمَرٍّ فِي دَارٍ) وَنَحْوِهَا (وَ) شِرَاءُ (مَوْضِعٍ بِحَائِطٍ يُفْتَحُ بَابًا) وَنَحْوَهُ. (وَيَتَّجِهُ وَأَحْجَارُهُ)؛ أَيْ: الْمَوْضِعِ الَّذِي يُنْقَضُ مِنْهُ (لِبَائِعٍ)؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُشْتَرِي الْمَحَلُّ الَّذِي يَفْتَحُهُ، لَا الْأَحْجَارُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.(وَ) يَصِحُّ (شِرَاءُ بُقْعَةٍ تُحْفَرُ بِئْرًا)؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ، فَجَازَ بَيْعُهَا؛ كَالْأَعْيَانِ.(وَ) يَصِحُّ شِرَاءُ (عُلْوِ بَيْتٍ) مَمْلُوكٍ- (وَلَوْ لَمْ يُبْنَ) الْبَيْتُ الَّذِي اشْتَرَى عُلْوَهُ- (إذَا وَصَفَ) الْعُلْوَ وَالسُّفْلَ لِيَكُونَا مَعْلُومَيْنِ؛ (لِيَبْنِيَ) الْمُشْتَرِي (أَوْ يَضَعَ عَلَيْهِ)؛ أَيْ: الْعُلْوِ (بُنْيَانًا أَوْ خَشَبًا مَوْصُوفَيْنِ)، وَإِنَّمَا صَحَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعُلْوَ مِلْكٌ لِلْبَائِعِ، فَكَانَ لَهُ بَيْعُهُ وَالِاعْتِيَاضُ عَنْهُ كَالْقَرَارِ.قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْدِثَ عَلَى الْعِوَضِ، (وَمَعَ زَوَالِهِمَا)؛ أَيْ: الْمَأْجُورِ عُلْوُهُ؛ أَيْ: الْبُنْيَانِ وَالْخَشَبِ عَنْ الْعُلْوِ (يَرْجِعُ) رَبُّهُمَا عَلَى رَبِّ السُّفْلِ الْمَأْجُورِ (مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مُدَّةِ الزَّوَالِ)؛ أَيْ: زَوَالِ بِنَائِهِ أَوْ خَشَبِهِ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ سُقُوطًا لَا يَعُودُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْإِنْصَافِ وَالْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِمَا، فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ فِي مَسْأَلَةِ الْبَائِعِ وَالصُّلْحِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَلَا فِيمَا إذَا كَانَ سُقُوطًا يُمْكِنُ عَوْدُهُ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَمَحَلُّ الرُّجُوعِ إذَا حَصَلَ الزَّوَالُ بِفِعْلِ رَبِّ الْبَيْتِ أَوْ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِمَا، أَمَّا إنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ فَلَا رُجُوعَ لَهُ. (وَلَهُ إعَارَتُهُ) لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ إبْقَاءَهُ بِعِوَضٍ، (سَوَاءٌ زَالَ بِسُقُوطِهِ أَوْ سُقُوطِ مَا تَحْتَهُ أَوْ لِهَدْمِهِ إيَّاهُ) أَوْ غَيْرِهِ، (وَلَهُ)؛ أَيْ: رَبِّ الْبَيْتِ: (الصُّلْحُ عَلَى عَدَمِ إعَادَتِهِ)؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ بَيْعُهُ مِنْهُ جَازَ صُلْحُهُ عَنْهُ، كَمَا لَهُ الصُّلْحُ (عَلَى زَوَالِهِ)؛ أَيْ: رَفْعِ مَا عَلَى الْعُلْوِ مِنْ بُنْيَانٍ أَوْ خَشَبٍ، سَوَاءٌ كَانَ صَالَحَهُ عَنْهُ بِمِثْلِ الْعِوَضِ الْمُصَالَحِ بِهِ عَلَى وَضْعِهِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ الْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ لَهُ، فَصَحَّ بِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَكَمَا لَوْ كَانَ لَهُ (مَسِيلُ مَاءٍ) فِي أَرْضِ غَيْرِهِ (أَوْ مِيزَابٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ؛ فَصُولِحَ)؛ أَيْ: صَالَحَ رَبُّ الْأَرْضِ صَاحِبَ الْمَسِيلِ أَوْ الْمِيزَابِ (لِتَرْكِ ذَلِكَ) بِعِوَضٍ؛ جَازَ. (وَلَهُ وَضْعُ بِنَاءٍ وَخَشَبٍ عَلَى بِنَاءِ غَيْرِهِ صُلْحًا أَبَدًا)، وَهُوَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِجَارَتُهُ؛ فَجَازَ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ بِالصُّلْحِ؛ وَكَذَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَمَرِّ وَفَتْحِ الْبَابِ بِالْحَائِطِ وَحَفْرِ الْبُقْعَةِ بِالْأَرْضِ بِئْرًا، (أَوْ) فَعَلَ ذَلِكَ (إجَارَةً مُدَّةً مُعَيَّنَةً)؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مُبَاحٌ مَقْصُودٌ؛ (وَإِذَا مَضَتْ) الْمُدَّةُ (بَقِيَ وُجُوبًا؛ وَلَهُ)؛ أَيْ: مَالِكِ الْعُلْوِ (أُجْرَةُ الْمِثْلِ)، وَلَا يُطَالِبُ بِإِزَالَةِ بِنَائِهِ وَخَشَبِهِ؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تُسْتَأْجَرُ لِذَلِكَ إلَّا لِلتَّبَايُعِ؛ وَمَعَ التَّسَاكُتِ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. ذَكَرَ مَعْنَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ.قَالَ الْبُهُوتِيُّ: قُلْتُ: وَعَلَى قِيَاسِهِ الحكورة الْمَعْرُوفَةُ.
|